إنها لكبيرة هى الحيرة التى تتملكنى قبيل الشروع فى الكتابة سيما إذا كنت سأكتب عن إبداع لمبدع هو من هو وفى قيمة وقامة صلاح والى.
ففى مقام صلاح والى أقف ناصبا قامتى متملقا حيرتى لأقول : أنه ينبغى تقدير الشعر كتقدير أية حرفة إنسانية أخرى ففى ضوء اهتمامات الإنسان الأساسية كمكاسبه الثقافية الفعالة فى أوسع معنى وسعيه لدفع نفسه نحو الكمال الكلى المتوحد، ومثل إمكاناته وقدراته كمخلوق واع نشط سريع الاستجابة.
إن الشعر يحقق أعظم ما فى تأثيره بالقرع الخفيف على مصادر الإنسان الذهنية والخيالية والعاطفية فى شكل متزامن وإيصال هذه المصادر ببواعثها وأهدافها وذلك بطريقة موحدة منسجمة وبهذا تحملنا على أن نتصل بشكل متعاطف وصحيح بأهم ما فى طبيعة هذه البواعث والأهداف وبذلك يتحسر ارتباكنا وضيقنا منها ولكن بامتصاص نحققها فى مشاعرنا المعتادة والمألوفة وتصبح أكثر انسجاما معها وذلك الإحساس يحقق الهدوء والرضا بما لا يستطيعه أى شىء آخر ومن خلال سخر الأسلوب نرانا مدفوعين إلى المشاركة بحماسنا وخيالنا فى تجربة الشعر فالشعر يجمع بين الفكرة والمحسوس ولما كانت مهمة الشعر هى تفسير العالم الطبيعى وفى نفس الوقت تفسير العالم الأخلاقى بالشعور وإدراك الملموس على أساس القيم الإنسانية فإن الشعر بهذا يكون مناظرا للتجربة الإنسانية نفسها لنجد ان أعمال صلاح والى قد اشتملت على مداخل النقد الأدبى الخمسة
١ المدخل الأخلاقى
٢ المدخل النفسى
٣ المدخل الإجتماعى
٤ المدخل الجمالى
٥ المدخل الأسطورى
وحين وقعت على أعماله الكاملة طالعت بعضا من كثير مما يعلق بشغاف الفكر والقلوب ويدعو الملتقى إلى إعمال العقل تفكرا ليصل إلى مقصوده ومعانيه وإدراك رؤيته فيقول فى قصيدة سفر الرؤيا : كم صرت مسبوقا بلام النغى محجوبا كسلسلة من التاريخ تثبت للعبيد الحق فى وطن فتنتفى الأسئلة.
بين التقرير والخبر يأتى نفى السؤال
ثم يقول : وجع يغرس اصبع الموت الجميل فى رحم البداية يخرج الأجداث من ليل كئيب موغل...
ها هو صلاح والى قد أتى بنا على وادى الخيال والمجاز والأسطورة مستخدما لفظة الأجداث التى لا تعنى فى اللغة القبور بل تعنى الأصول والجذور وهى أخر عظمة باقية من جسد الإنسان بعد التحلل فى القبر.
ويهب ناعيا لغته قائلا : لغتى بيان ضائع من نقش قديم ضائع
لغتى سديم ضالع...
ومع ذلك الإسقاط الفلسفى الحزين حيث يقول
فيأتى البدائيون يحتلون صدر الأرض يفترشون
ما بين أشياء النسل والعينين يقترعون كل الذاكرة...
دعوة إعمال العقل الجمعى لتفسير وتأويل الفقرة السابقة كبيرة وفى موضعها
وحين يمتلك الشاعر ناصية الشعر يستطيع رسم اللوحات البديعة عبر حروف قصيدته وسطورها مثلما فعل فى قصيدة الجلوة الأخيرة
حين قال : وتجلو العصافير صاعدة فى الفضاء الرهيب
وتبقى الشجيرات ثابتة فى اهتزاز مهيب وتسحب كوفية الحقل أطرافها لتدارى الذبول
وتدمع شمس النهار لدى النظرات الأخيرة فوق الحقول
ويعلو على كوكب الصمت قرع الطبول.
استخدام موفق لتقنية الدوبيت الشعرية...
وما زلنا فى انتظار للمزيد مع قصيدته انتظار
يقول فيها معربا عن بعض ايدلوجياته
الثمار اذا اكتملت
نضجت
نضحت
فى حزنها للبقاء فعاجلها القطف
والسكر الحلو دواء
القصيدة فى حزنها فرحت ها هى اكتملت
وأنا مفعم بالنماء
والموت منتظر فى آخر الشطر
فى آخر السطر
قلت اكتملت إذا اكتملت
فعاجلنى الموت حين خططت للبقاء
قصيدة رائعة فيها من التضاد والتقابل ما جملها وحسنها
وحين النظر فى المرايا نجده فى قصيدة المرايا يمارس شاعريته الماتعة الباذخة فيقول
المرايا التى من دماها الجموع
أراها محملة بالجياد
فلا كاهنا كنت حين احتبست
ولا بائعا كنت وقت الشراء
ولكننى عاشق لا يقاوم
تجف براعمه فى السماء
وكنت حنينا كنخلة قلبى
يجف على رئتيك الهواء
أراها محدبة فى الزوايا
أراها مقعرة فى العناد
ثم نسمع صوت صلاح والى بين الرجاء والاستفهام وقد تملكته الحيرة مثلى مناديا فى قصيدة ولأنك كنت هناك
يقول : يا هذا الأتى اقبل
إنى انتظرك فى شوق النار
وشوق النار على شوق القنفذ فى وسط العين يناديك
أعرف إسمك ، رسمك
انتظرك منذ تواجدنا فى هذا المستنقع
نلمع فى قاع الكأس ثوان ونروح
توشوشنى بالسفر إليك
تدغدغنى بالشعر إليك
وترسم بالليل حقائق ووعود
فلماذا لا تأتى؟؟؟
تمنيت لو استطعت تناول كل ما كتب صلاح والى فأشعاره ذات عبق خاص ونمق فريد لمن أراد حلاوة الشعر
وفقكم الله جميعا
النسر المصرى
عصام الدين أحمد صقر
0 تعليقات